الجيل الجديد من الفنانين المغاربة الذين يجب متابعتهم

لمحات عن المواهب الشابة التي تعيد تعريف المشهد الفني المغربي المعاصر


روح جديدة تهب على الساحة الفنية المغربية

يشهد المغرب اليوم نهضة فنية متجددة، يقودها جيل جديد من الفنانين الذين لا يكتفون بتكرار ما كان، بل يسعون، بجرأة وحس إبداعي معاصر، إلى إعادة رسم ملامح المشهد الثقافي والفني للبلاد. في زمن تتسارع فيه التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، استطاع هؤلاء الشباب أن يمزجوا بين جذورهم العريقة وانفتاحهم على العالم، ليقدموا فناً يتجاوز الحدود ويخاطب الحس الإنساني المشترك. من فنون التشكيل إلى الموسيقى، ومن السينما إلى التصميم، يبرز هذا الجيل كقوة صاعدة تستحق كل متابعة واهتمام.


فنانون يعيدون تعريف التشكيل: بين التراث والتجريب

في قلب المشهد التشكيلي المغربي الجديد، تتألق أسماء شابة استطاعت أن تخلق لغة بصرية فريدة. نذكر من بينهم هشام برادة، الذي يعيد قراءة الأشكال الهندسية الأمازيغية من خلال تقنيات رقمية معاصرة، مانحاً لوحاته بعداً يراوح بين الحنين والتجريب الجريء.
أما سلمى كروش، فقد خطفت الأضواء بأعمالها التي تعالج قضايا الهوية النسوية والهجرة من خلال خامات غير مألوفة، كالنسيج والفيديو آرت. تقول سلمى: «الفن بالنسبة لي مساحة حرة للتعبير عن التصدعات والهويات المتداخلة التي نحملها».

هذا المزج بين الحرفية العالية والمواضيع الراهنة جعل من هؤلاء الفنانين رواداً في حركة فنية جديدة تعيد تعريف مكانة المغرب في الساحة الفنية العالمية، حيث تُعرض أعمالهم اليوم في معارض باريس ونيويورك ولندن.


موسيقيون يبثّون أنفاساً جديدة في الأذن المغربية

إذا كانت الموسيقى المغربية التقليدية قد أسرت العالم بألوانها المتنوعة، فإن الجيل الجديد من الموسيقيين يذهب أبعد من ذلك، عبر مزج الأنماط وتفكيك القوالب القديمة. نجم الهيب هوب “إلغراندطوطو”، على سبيل المثال، لا يقتصر على أغاني الشارع، بل يوظف الإيقاعات الغناوية والبنديرية في خلفيات موسيقية حديثة، ليخلق صوتاً يعكس نبض شوارع الدار البيضاء ومراكش.

في المقابل، تبرز زينب أفيلال، فنانة الطرب الأندلسي، التي تنقل هذا الفن الكلاسيكي إلى جمهور شاب، عبر توزيعات موسيقية حديثة ومشاركة واسعة على منصات التواصل. تقول زينب: «هدفي أن أجعل الموسيقى الأندلسية لغة يفهمها الجيل الجديد، دون أن أفقدها روحها الأصيلة».

هذا التنوع الموسيقي يعكس فسيفساء الهوية المغربية ويجعل الساحة الموسيقية اليوم أكثر ديناميكية وانفتاحاً من أي وقت مضى.


سينمائيون يحكون قصص المغرب بعيون جديدة

السينما المغربية أيضاً تعرف ربيعاً جديداً بفضل مخرجين شباب يروون قصصاً تتخطى الصور النمطية. من هؤلاء مريم التوزاني، التي أثار فيلمها آدم إعجاب النقاد الدوليين، حيث تناول قضايا المرأة والوصمة الاجتماعية في مجتمع محافظ بأسلوب بصري شاعري وإنساني.

كذلك، يُعد نادر بوحموش صوتاً مميزاً في السينما الوثائقية، حيث يستكشف قضايا الشباب والهامش الاجتماعي في أفلامه الجريئة التي تُعرض في كبرى المهرجانات الدولية. يقول نادر: «السينما ليست ترفاً، بل وسيلة لطرح الأسئلة الصعبة التي يتجنبها الجميع».

بهذه الرؤية الجديدة، يعيد هؤلاء السينمائيون رسم صورة المغرب، ليس كديكور شرقي، بل كفضاء إنساني يعج بالتناقضات والطموحات والتحديات.


التصميم والأزياء: هوية مغربية برؤية كونية

لا تقتصر النهضة الفنية على الفنون التقليدية، بل تمتد إلى عوالم التصميم والأزياء، حيث يبدع شباب مغاربة في تقديم تصاميم تمزج بين الأصالة والحداثة. المصممة لبنى الساهل، مثلاً، تحولت إلى اسم بارز في أسابيع الموضة الدولية، بفضل تصاميمها التي تستلهم الزخارف المغربية وتعيد تقديمها بقوالب معمارية عصرية.

وفي مجال التصميم الصناعي، يبرز يونس القادري، الذي يعمل على تطوير منتجات مستدامة تعتمد على مواد محلية كالصوف والخزف، مروجاً لمفهوم «التصميم البيئي» من قلب المغرب إلى العالم.

هذه الحركة الجديدة تعكس وعياً متزايداً بأهمية الهوية كعنصر إبداعي لا كقيد، ما يجعل المغرب اليوم منبراً لصوت فني معولم ينطلق من جذور محلية.


ملامح مغرب فني جديد

ما يميز هذا الجيل من الفنانين المغاربة ليس فقط موهبتهم، بل وعيهم العميق بدور الفن كوسيلة للتعبير والتغيير، وقدرتهم على التوفيق بين المحلي والعالمي، بين التراث والتجريب، بين الجذور والأجنحة. إنهم لا يكتفون بأن يكونوا امتداداً لماضٍ عريق، بل يصنعون حاضراً فنياً نابضاً يعيد تعريف صورة المغرب على الخارطة الثقافية الدولية.

ومع تصاعد حضورهم في المعارض والمهرجانات والمنصات الرقمية، يبدو واضحاً أن الساحة الفنية المغربية على أعتاب عصر ذهبي جديد، تقوده هذه المواهب الشابة التي تستحق كل متابعة… بل كل احتفاء.

Exit mobile version