الزهرة: الكوكب المشتعل والغلاف الجوي السام… جحيم سماوي يجاور الأرض

✦ حين لا تكون الجماليات كافية للنجاة

في الثقافة القديمة، كانت الزهرة رمزًا للجمال والإشراق، وسُمّي الكوكب على اسم إلهة الحب لدى الرومان. إلا أن ما يخفيه هذا الكوكب وراء ضوئه الساحر هو واقع مختلف تمامًا: بيئة جحيمية غير قابلة للحياة، وغلاف جوي سام يَختنق بثاني أكسيد الكربون وحمض الكبريتيك. إن الزهرة، ثاني كوكب من حيث البعد عن الشمس، قد يكون أقرب الكواكب حجمًا إلى الأرض، لكنه في الوقت ذاته، من أبعدها عنها من حيث قابلية السكن.


✦ الزهرة في لمحة: الشبيه القاتل للأرض

الزهرة هو الكوكب الأقرب من حيث الحجم، الكثافة، والبنية الداخلية إلى كوكب الأرض، لكنه يُعد أكثر الكواكب حرارة في المجموعة الشمسية، حتى متفوقًا على عطارد الأقرب إلى الشمس.

وفقًا لتقرير ناسا لعام 2023، فإن الضغط الجوي على سطح الزهرة يعادل 92 مرة الضغط الجوي الأرضي، ما يجعله يعادل الغوص تحت 900 متر من مياه المحيطات على الأرض.


✦ جحيم دائم: الغلاف الجوي القاتل

يشكل الغلاف الجوي للزهرة عقبة كبرى أمام أي محاولة للهبوط أو البقاء على سطحه. فبالإضافة إلى كونه غنيًا بثاني أكسيد الكربون، يحتوي أيضًا على غيوم كثيفة من حمض الكبريتيك، وهو مركّب شديد التآكل.

وقد أظهرت تحاليل مسبار فينوس إكسبريس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA, 2014) أن الغلاف الجوي العلوي للزهرة يعاني من عواصف رعدية وتيارات نفاثة تتجاوز 300 كم/س، ما يجعله مناخًا متطرفًا بكل المقاييس.

أما عن الحرارة، فهي ليست ناتجة عن قرب الكوكب من الشمس فقط، بل تعود إلى تأثير الاحتباس الحراري المفرط، حيث يحبس ثاني أكسيد الكربون الحرارة ولا يسمح بخروجها، في عملية تُعرف بـ “Runaway Greenhouse Effect”.


✦ بعثات علمية وسط الحمم: التحدي التقني

رغم قسوة البيئة، حاولت وكالات الفضاء عبر عقود فهم طبيعة الزهرة. وكانت الاتحاد السوفييتي هو أول من نجح في إرسال مركبة إلى سطح الكوكب.

أبرز البعثات:

وفي المستقبل، تخطط ناسا لإطلاق بعثتي VERITAS وDAVINCI+ في أواخر العقد الحالي لدراسة التركيب الجيولوجي والغلاف الجوي بشكل غير مسبوق.


✦ سطح الكوكب: براكين، هضاب وسر غامض

كشفت صور الرادار أن سطح الزهرة مغطى ببراكين عملاقة وهضاب واسعة. وتعتقد وكالة ناسا أن الكوكب قد شهد نشاطًا بركانيًا حديثًا نسبيًا، أي خلال مئات أو آلاف السنين الماضية فقط.

دراسة نُشرت في مجلة Science عام 2023 ذكرت وجود أدلة على تدفقات حمم جديدة على سطح الزهرة، مما يعزز نظرية أن الكوكب لا يزال نشطًا جيولوجيًا. هذا الاكتشاف يثير فضول العلماء، إذ قد يكون الزهرة “نظيرًا نشطًا” للأرض بطريقة لم نتصورها من قبل.


✦ هل يمكن للزهرة أن يُسكن؟ رؤية من الخيال إلى البحث

رغم بيئته القاسية، لا يزال الزهرة هدفًا لبعض الأفكار الجريئة حول الاستيطان أو الدراسة المستمرة. ومن أبرز المقترحات:

ويشير عالم الكواكب جيم غرين من ناسا (2022) إلى أن “الزهرة يمثل الحالة القصوى لما قد يحدث لكوكب شبيه بالأرض إذا اختل توازنه البيئي”، ما يجعله دراسة تحذيرية حقيقية لمصير الأرض في حال فشلنا في مواجهة التغير المناخي.


✦ كوكب الجمال القاتل

الزهرة، بجماله الباهر من بعيد، يخفي جحيمًا حارقًا وسُحبًا سامة. لكنه في ذات الوقت، مختبر طبيعي فريد لدراسة الاحتباس الحراري، النشاط الجيولوجي، وتطور الكواكب الأرضية. وبينما لا يزال حلم استكشافه بالكامل قائمًا، يبقى الكوكب المشتعل هذا تذكيرًا بأن الجمال قد يكون خادعًا، وأن الجيران السماويين قد يحملون دروسًا بالغة الأهمية لمستقبلنا.

Exit mobile version