الفضاء والأجرام السماويةالمذنبات والكويكبات والنيازك

أشهر النيازك التي سقطت على الأرض: حجارة من السماء غيّرت مجرى التاريخ

حين شقّ الضوء سماء سيبيريا

في صباح الخامس عشر من فبراير عام 2013، اخترق وميض ناري السماء فوق مدينة تشيليابينسك الروسية. لحظات فقط فصلت ذلك الضوء عن انفجار هوائي أحدث موجة صدمة هائلة حطّمت النوافذ وأصابت أكثر من 1500 شخص. لم يكن ذلك عملًا إرهابيًا ولا انفجارًا نوويًا، بل دخول جرم سماوي صغير الغلاف الجوي بسرعة تجاوزت 60 ألف كيلومتر في الساعة.

كان ذلك الحدث المعروف باسم Chelyabinsk meteor أحد أبرز التذكيرات الحديثة بأن الأرض ليست معزولة عن الأحداث الكونية. فمنذ نشأتها، ظلت الأرض تستقبل حجارة من الفضاء — بعضها كان صغيرًا نسبيًا، وبعضها غيّر مجرى الحياة على الكوكب بأكمله.

ما هي النيازك؟ ومن أين تأتي؟

النيازك هي أجزاء من أجسام سماوية — كويكبات أو مذنبات أو حتى شظايا من القمر أو المريخ — تصل إلى الأرض بعد عبورها الغلاف الجوي. إذا احترق الجسم تمامًا أثناء دخوله، يُسمى شهابًا، أما إذا نجا ووصل إلى سطح الأرض، فيُسمى نيزكًا.

تصنَّف النيازك إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

  • نيازك حجرية (Stony Meteorites)
  • نيازك حديدية (Iron Meteorites)
  • نيازك حجرية-حديدية (Stony-Iron Meteorites)

تحمل هذه النيازك معلومات في غاية الأهمية عن بدايات النظام الشمسي، ومكوناته الأصلية، وظروف نشأة الكواكب.

Chicxulub: لحظة الانقراض الأعظم

منذ حوالي 66 مليون سنة، سقط نيزك ضخم على شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك. يبلغ قطر هذا الجسم السماوي نحو 10 كيلومترات، وقد خلّف حفرة تُعرف اليوم باسم Chicxulub crater، بقطر يناهز 180 كيلومترًا.

ترتبط هذه الفوهة بأحد أكبر أحداث الانقراض في تاريخ الأرض: انقراض الديناصورات. تشير الطبقات الجيولوجية إلى وجود نسبة عالية من عنصر الإيريديوم — الموجود بكثرة في النيازك — ما يدعم فرضية أن نيزك Chicxulub كان سببًا رئيسيًا في تلك الكارثة البيئية التي أنهت الحقبة الطباشيرية.

Hoba: أثقل نيزك معروف على سطح الأرض

في عام 1920، تم اكتشاف نيزك Hoba في مزرعة قريبة من مدينة غروتفونتين في ناميبيا. يُعد Hoba أكبر نيزك تم العثور عليه على سطح الأرض دون أن يُنقل أو يتجزأ. يزن حوالي 60 طنًا، وهو مكون أساسًا من الحديد والنيكل.

ما يثير الدهشة هو أن هذا النيزك لم يُحدث أي فوهة عند سقوطه، ما يدفع العلماء إلى الاعتقاد أنه دخل الغلاف الجوي بسرعة منخفضة وزاوية مسطحة، مما خفف من قوة الاصطدام. ولا يزال حتى اليوم في موقعه الأصلي، محميًا باعتباره معلمًا جيولوجيًا وسياحيًا وعلميًا.

Sikhote-Alin: شظايا نارية في غابات روسيا

في 12 فبراير 1947، شهدت منطقة Sikhote-Alin في أقصى الشرق الروسي انفجارًا عنيفًا في السماء، تلته أمطار من الشظايا المعدنية. كان هذا نتيجة دخول نيزك حديدي كبير الغلاف الجوي وتفككه في الجو.

تسبب الحادث في خلق فوهات متعددة وتناثر آلاف القطع المعدنية، التي جُمعت لاحقًا وتجاوز وزنها 23 طنًا. ساعد هذا الحدث في دراسة طريقة تفتت النيازك الحديدية عند دخول الغلاف الجوي وسقوطها.

Tunguska: الانفجار الأعظم بلا فوهة

في صباح يوم 30 يونيو 1908، انفجر جسم سماوي على ارتفاع يُقدّر بين 5 إلى 10 كيلومترات فوق منطقة Tunguska في سيبيريا. لم يُعثر على أي بقايا نيزك أو حفرة، لكن الانفجار دمّر أكثر من 2000 كيلومتر مربع من الغابات، وأسقط نحو 80 مليون شجرة.

تُرجّح الفرضيات أن الجسم كان نيزكًا أو مذنبًا صغيرًا انفجر بفعل الضغط والحرارة خلال عبوره الغلاف الجوي. يُعد حدث Tunguska من أقوى الانفجارات غير النووية المسجلة في التاريخ الحديث.

ALH 84001 ومثيلاته: نيازك من المريخ والقمر

في عام 1984، عُثر في القارة القطبية الجنوبية على نيزك يحمل اسم ALH 84001. ما جعل هذا النيزك مميزًا هو أنه أُثبت لاحقًا — عبر التحليل الكيميائي — أنه جاء من كوكب المريخ.

أثار ALH 84001 جدلًا كبيرًا عندما أعلنت وكالة ناسا عام 1996 عن اكتشاف تراكيب داخلية قد تكون ناتجة عن حياة ميكروبية قديمة. ورغم الجدل العلمي الذي تبع ذلك، فإن النيزك يظل من أهم الأدلة التي تربط الأرض بالمريخ، ويوفر نظرة فريدة على جيولوجيا الكوكب الأحمر.

Chelyabinsk: صدمة القرن الحادي والعشرين

نيزك Chelyabinsk دخل الغلاف الجوي فوق روسيا عام 2013، وكان قطره نحو 20 مترًا ووزنه يفوق 13 ألف طن. انفجر في الجو بقوة تفوق 30 مرة قوة قنبلة هيروشيما، وتسبب في إصابة أكثر من 1500 شخص.

لم يُعثر إلا على شظايا صغيرة من النيزك، لكنه يُعد من أكثر النيازك توثيقًا بفضل الكاميرات المنتشرة في السيارات والمباني، مما مكّن العلماء من تحليل مساره وانفجاره بدقة غير مسبوقة.

تجارة النيازك ومراقبتها اليوم

مع تطور التكنولوجيا، بات بالإمكان تعقب الأجرام السماوية الصغيرة ومراقبة سقوطها. هناك شبكات عالمية تستخدم الكاميرات والرادارات لرصد النيازك والشهب، وتحديد مواقع سقوطها بدقة.

في المقابل، تحوّلت النيازك إلى سلعة نادرة، وظهرت سوق سوداء يتاجر فيها الهواة وجامعو التحف، وأحيانًا يتم تهريبها من مناطق صحراوية أو جبلية غنية بها، مما يثير تساؤلات حول ملكيتها وحمايتها.

رسائل من الفضاء تختزن تاريخ الأرض

كل نيزك يسقط على الأرض هو شهادة صامتة على عنف الكون، وعلى الاتصال المستمر بين كوكبنا والمجهول المحيط به. بعض هذه الحجارة تسبب في انقراضات جماعية، وأخرى كشفت عن نشأة الكواكب أو عن وجود مركبات عضوية قد تمهد لفهم أصل الحياة.

في وقت تزداد فيه أهمية علوم الفضاء والكواكب القريبة، تمثل النيازك بوابات لفهم الماضي، ورسائل قد تغيّر رؤيتنا للمستقبل.


الأسئلة المتكررة (FAQ)

ما الفرق بين النيزك والشهاب؟
الشهاب هو الضوء الناتج عن احتراق الجسم السماوي في الغلاف الجوي. أما النيزك فهو ما يتبقى من الجسم ويصل إلى سطح الأرض.

هل يمكن التنبؤ بسقوط نيزك كبير؟
يمكن تتبع بعض الأجسام الكبيرة القادمة من الفضاء، لكن النيازك الصغيرة عادةً ما تُكتشف بعد دخولها الغلاف الجوي.

هل جميع النيازك تأتي من الكويكبات؟
لا، هناك نيازك قادمة من القمر والمريخ، نتيجة اصطدامات شديدة قذفت شظايا إلى الفضاء.

هل تحتوي النيازك على مواد عضوية؟
بعض النيازك تحتوي على مركبات عضوية، لكنها لا تعني بالضرورة وجود حياة، بل تعزز من احتمال وجود ظروف ملائمة للحياة في أماكن أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى