الماء الساخن يتجمد أسرع من البارد: ظاهرة مبمبا بين العلم والحيرة

هل من الممكن أن يتجمد الماء الساخن أسرع من الماء البارد؟ يبدو هذا السؤال وكأنه يتحدى قوانين الفيزياء الأساسية، ومع ذلك، فقد تمت ملاحظته منذ قرون، ووثّق لأول مرة في العصر الحديث من قِبل طالب تنزاني يُدعى إراستو مبمبا عام 1963. هذه الظاهرة الغريبة، التي تعرف بـ**”تأثير مبمبا” (Mpemba Effect)**، أثارت فضول العلماء، وأصبحت موضوعًا لأبحاث ونقاشات واسعة لم تُحسم بشكل قاطع حتى اليوم.
في هذا المقال، نستعرض تفاصيل هذه الظاهرة، خلفيتها التاريخية، التفسيرات الفيزيائية المحتملة، وأحدث الأبحاث التي تحاول كشف أسرارها.
ما هي ظاهرة مبمبا؟
ظاهرة مبمبا تشير إلى الحالة التي يتجمد فيها الماء الساخن أسرع من الماء البارد عند وضع الكميتين في نفس الظروف البيئية داخل المجمد.
أول من لاحظ هذه الظاهرة بشكل علمي هو الطالب التنزاني “إراستو مبمبا” أثناء تحضيره لخلطة آيس كريم في المدرسة، حيث لاحظ أن الحليب الساخن تجمد أسرع من الحليب البارد، رغم أن الفرضية المنطقية تشير إلى أن الماء البارد أقرب إلى درجة التجمد.
خلفيات تاريخية: ليست جديدة
من أرسطو إلى العصر الحديث
- أشار أرسطو (384–322 ق.م) إلى ملاحظات مشابهة في كتاباته.
- في القرن الـ13، كتب العالم العربي ابن سينا عن سلوك غير اعتيادي للماء أثناء التبريد.
- في القرن الـ17، سجل فرانسيس بيكون ملاحظات حول سرعة تجمد الماء الساخن.
لكن هذه المشاهدات لم تُفهم بشكل علمي إلا بعد أن طُرحت رسميًا كتجربة في الستينات من القرن العشرين.
هل هي حقيقة علمية؟ أم وهم تجريبي؟
تجربة مبمبا الأصلية
في تجربته، قام مبمبا بوضع كمية من الحليب الساخن وأخرى باردة في المجمد، ولاحظ أن الحليب الساخن تجمد أولاً. قدم هذه الملاحظة لأستاذه، الذي سخر منها في البداية، لكن لاحقًا تم تكرار التجربة ووجد أن النتيجة قابلة للتكرار في ظروف معينة.
الدراسات الحديثة
- في عام 2012، أطلقت الجمعية الملكية البريطانية مسابقة علمية لدراسة هذه الظاهرة، وتلقت أكثر من 20,000 مشاركة من علماء وهواة.
- بحث نُشر عام 2016 في Nature Scientific Reports أشار إلى أن تفسيرات الظاهرة تعتمد على عدة عوامل فيزيائية متشابكة.
التفسيرات المحتملة لظاهرة مبمبا
لا يوجد تفسير واحد مقبول بالإجماع، لكن أبرز الفرضيات تشمل:
1. التبخر السريع
الماء الساخن يتبخر بسرعة، مما يقلل من كتلته، وبالتالي تتجمد الكمية المتبقية بشكل أسرع.
2. تباين التوصيل الحراري
عند وضع الماء الساخن في وعاء، قد يؤدي إلى تحسين التوصيل الحراري مع بيئة التجميد، خاصة إذا أدى إلى إذابة طبقات الثلج الموجودة على السطح الداخلي للمجمد.
3. التحرك الحراري والتدفقات الداخلية
توزيع الحرارة داخل الماء الساخن يؤدي إلى حركات داخلية تسهل فقدان الحرارة مقارنة بالماء البارد.
4. درجة الشد السطحي وتركيبة الهيدروجين
يعتقد بعض الباحثين أن البنية الجزيئية للماء تتغير عند درجات حرارة مختلفة، ما يغير من سلوكه أثناء التجميد.
5. الغازات الذائبة
الماء البارد يحتوي على غازات ذائبة أكثر من الساخن، ما قد يؤثر على نقطة التجمد.
لماذا لا تحدث الظاهرة دائمًا؟
أثبتت التجارب أن تأثير مبمبا ليس ظاهرة عامة. فهو لا يحدث دائمًا، ويعتمد بشدة على:
- نوع الوعاء
- درجة حرارة الماء الابتدائية
- درجة حرارة المجمد
- نسبة الرطوبة
- وجود الشوائب أو الغازات
تطبيقات علمية محتملة
رغم أن الظاهرة تبدو بسيطة، إلا أن فهمها قد يساعد في:
- تحسين طرق التجميد الصناعي
- دراسة انتقال الحرارة في السوائل
- تطوير نماذج حرارية جديدة في فيزياء المادة
ظاهرة مبمبا تذكّرنا أن حتى أبسط الظواهر الطبيعية قد تخفي وراءها تعقيدًا علميًا مذهلًا. إن التساؤل حول “لماذا يتجمد الماء الساخن أسرع من البارد؟” لم يُحسم نهائيًا، لكن البحث المستمر في هذه الظاهرة قد يؤدي إلى اكتشافات أعمق حول سلوك المادة والحرارة. إنها ظاهرة تتحدى الحدس وتؤكد أن العلم يبدأ بالفضول، وينمو بالتجربة، ويتطور بالأسئلة التي لا إجابة قاطعة لها بعد.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. هل يمكن تكرار ظاهرة مبمبا في المنزل؟
نعم، بشرط توافر الظروف المناسبة، مثل مجمد جيد، وكمية ماء متساوية، وقياسات دقيقة للحرارة.
2. هل هي ظاهرة مؤكدة علميًا؟
هي ظاهرة قابلة للرصد لكنها غير محسومة من حيث التفسير العلمي النهائي، وتختلف نتائجها حسب الظروف.
3. هل لها استخدامات عملية؟
ليس بشكل مباشر حتى الآن، لكنها تُستخدم كنموذج في البحث العلمي حول فيزياء انتقال الحرارة.
4. لماذا سُميت “ظاهرة مبمبا”؟
تكريمًا للطالب التنزاني إراستو مبمبا الذي أعاد اكتشافها عام 1963 وأثار بها جدلًا علميًا عالميًا.