كنوز التراث

السلالات التي صنعت المغرب

من الأدارسة إلى العلويين: تاريخ سياسي نسج ملامح المملكة المغربية

من بين البلدان القليلة في العالم التي استطاعت أن تبني لنفسها هوية سياسية متماسكة ومتجددة عبر العصور، يبرز المغرب كأنموذج فريد. فمنذ أن بزغ نجم الدولة الإدريسية في أواخر القرن الثامن الميلادي، بدأ المغاربة ينحتون بذكاء وصبر معالم دولتهم، وسط محيط إقليمي مضطرب وتحديات حضارية كبرى.

الأدارسة: البذرة الأولى للدولة المغربية
في سنة 788م، وصل إدريس بن عبد الله إلى وليلي، فارًا من الملاحقة السياسية، ليجد بين الأمازيغ صدرًا رحبًا وعزمًا على بناء كيان مستقل عن الخلافة العباسية. أسس دولة الأدارسة، التي سرعان ما توسعت لتشمل فاس، المدينة التي ستتحول إلى منارة للعلم والثقافة في الغرب الإسلامي. لقد كان للأدارسة فضل ترسيخ الإسلام السني المالكي كأساس للهوية الدينية والسياسية للمغرب.

المرابطون والموحدون: عصر القوة والامتداد
في القرن الحادي عشر، ظهر المرابطون، القادمون من الصحراء، ليعيدوا توحيد المغرب الكبير تحت راية واحدة، وينشروا المذهب المالكي بصرامة وتوازن. أسسوا مدينة مراكش، التي سرعان ما غدت عاصمة كبرى، تربط بين إفريقيا جنوب الصحراء والأندلس شمالًا.

ثم جاء الموحدون، بثورتهم الفكرية والعقائدية، ليواصلوا مسيرة التوسع، حيث امتدت دولتهم من تخوم ليبيا شرقًا إلى الأندلس غربًا. تحت حكمهم، شهد المغرب عصرًا ذهبيًا في العمارة والعلوم والفلسفة، وكانت مراكش وفاس بمثابة قلب نابض للحضارة الإسلامية الغربية.


المرينيون والسعديون: دفاع عن الهوية والسيادة
مع انحسار نفوذ الموحدين، برز المرينيون في القرن الثالث عشر، ليعيدوا ترتيب البيت المغربي. أعادوا الاعتبار لفاس كعاصمة ثقافية وعلمية، وأسّسوا جامعات ومساجد لا تزال قائمة إلى اليوم. لكنهم واجهوا تحديات خارجية متزايدة، خاصة من القوى الأوروبية الطامعة في سواحل المغرب.

في القرن السادس عشر، حمل السعديون لواء المقاومة، وحققوا نصرًا مبهرًا في معركة وادي المخازن سنة 1578، حين هزموا تحالفًا أوروبيًا ضخمًا. بفضلهم، حافظ المغرب على سيادته في وقت كانت فيه معظم دول المنطقة تسقط تحت الاحتلال العثماني أو الأوروبي.

العلويون: استمرارية الدولة وتجديد الهوية
منذ منتصف القرن السابع عشر، تولى العلويون حكم المغرب، في استمرارية سياسية نادرة في العالم العربي. استطاعوا، عبر القرون، أن يوازنوا بين تقاليد المغرب العريقة ومتطلبات العصر، فحافظوا على وحدة التراب الوطني، وواجهوا التحديات الاستعمارية، حتى استعاد المغرب استقلاله سنة 1956.

واليوم، تواصل المملكة المغربية، تحت قيادة العلويين، مسارها كدولة ذات عمق تاريخي وثقافي، تجمع بين الأصالة والتحديث، وبين الأمازيغية والعربية والإسلامية، في توازن جعل منها بلدًا استثنائيًا في المشهد الجيوسياسي الإقليمي.


في العدد القادم من إشراقة7: سنغوص معًا في أسرار كل مرحلة، ونكشف كيف ساهمت هذه السلالات في تشكيل مغرب اليوم… بلد التنوع والوحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى