الفضاء والأجرام السماويةالمذنبات والكويكبات والنيازك

كيف تتكوّن الكويكبات في الفضاء؟… بقايا التكوين العظيم للنظام الشمسي

✦ الصخور التي لم تصبح كواكب

عندما نرفع أبصارنا نحو السماء، نرى كواكب عملاقة ونجومًا لامعة، لكن ما لا نراه غالبًا هو عالم صامت ومظلم من الأجسام الصخرية التي تجوب الفضاء منذ ولادة النظام الشمسي: الكويكبات. قد تبدو هذه الأجسام مجرد حطام فضائي عشوائي، لكنها في الحقيقة مفاتيح علمية ثمينة لفهم اللحظات الأولى من تشكّل الكواكب، ومنها الأرض نفسها. فما هي الكويكبات؟ وكيف وُلدت؟ ولماذا لا تزال تحظى باهتمام مكثف من وكالات الفضاء والعلماء؟


✦ السديم الشمسي: البداية الكونية لكل شيء

قبل 4.6 مليار سنة، لم يكن هناك نظام شمسي كما نعرفه، بل كانت هناك سحابة ضخمة من الغاز والغبار تُعرف باسم السديم الشمسي الأولي. بفعل الجاذبية، بدأت هذه السحابة في الانكماش والتكاثف، مما أدى إلى تكوّن الشمس في المركز، بينما بدأت الجسيمات الصغيرة في الأطراف تتجمّع تدريجيًا.

هذه العملية تُعرف في الفيزياء الفلكية باسم التراكم الكوكبي (Accretion)، حيث تتصادم الجزيئات الدقيقة وتتجمع بفعل الجاذبية لتشكّل أجسامًا أكبر تُعرف بـ”الكواكب الأولية” أو “الكويكبات الناشئة”. لم ينجح كل شيء في التوحد ليصبح كوكبًا. فبعض الأجسام الصغيرة بقيت دون أن تندمج، فكانت تلك هي الكويكبات، وهو ما تؤكده وكالة ناسا في تقريرها الصادر سنة 2022 عن تكوين النظام الشمسي (NASA Solar System Formation Guide).


✦ لماذا لم تتحوّل الكويكبات إلى كواكب؟

في المنطقة بين المريخ والمشتري، تقع منطقة تُعرف بـ”حزام الكويكبات الرئيسي”، وهي أكبر تجمع للكويكبات في النظام الشمسي. والسؤال: لماذا لم تتكوّن من هذه المواد كوكب جديد؟ الجواب يكمن في تأثير جاذبية كوكب المشتري.

وفقًا لدراسة منشورة في مجلة Nature Astronomy (2020)، فإن الكتلة الهائلة للمشتري أدّت إلى اضطرابات جاذبية عنيفة منعت الأجسام الصغيرة من الاستقرار أو الاندماج، ما أدّى إلى تشتيت المواد وتشكيل كويكبات مستقلة بدلًا من كوكب موحد.


✦ الكويكبات: أنواعها وأشكالها وتركيبتها

الكويكبات ليست متماثلة، بل تختلف في الحجم والشكل والتركيب الكيميائي. وقد صنّف العلماء الكويكبات حسب تركيبها إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

  1. الكويكبات الكربونية (C-type)
    تمثل حوالي 75% من الكويكبات، وهي غنية بالكربون والمعادن الطينية، وتُعد الأكثر بدائية، مما يجعلها ذات قيمة علمية كبيرة في فهم أصل الحياة.
  2. الكويكبات السيليكاتية (S-type)
    تتكوّن من السيليكات والمعادن، وتتميز بلونها الأكثر سطوعًا. توجد عادةً في الجزء الداخلي من حزام الكويكبات.
  3. الكويكبات المعدنية (M-type)
    غنية بالحديد والنيكل، وربما كانت نوىً لكواكب صغيرة تعرضت لتحطم بفعل التصادمات.

تشير تحاليل طيفية من مرصد هابل ومهمات ناسا إلى أن بعض الكويكبات تحتوي أيضًا على آثار للماء، مما يفتح المجال أمام فرضية أن الكويكبات قد تكون مصدرًا جزئيًا للماء على الأرض.


✦ المواقع الرئيسية للكويكبات في النظام الشمسي

  • حزام الكويكبات الرئيسي: بين المريخ والمشتري، يحتوي على مئات الآلاف من الكويكبات، منها سيريس (أكبرها)، فيستا، وبالاس.
  • كويكبات طروادة: تتحرك مع كوكب المشتري في نقاط استقرار الجاذبية، تعرف باسم نقاط لاغرانج.
  • الكويكبات القريبة من الأرض (NEAs): تقترب في مداراتها من كوكب الأرض، وتُراقب باستمرار لتقدير احتمالات الاصطدام.

في عام 2021، قدّرت قاعدة بيانات CNEOS التابعة لوكالة ناسا وجود أكثر من 27 ألف كويكب قريب من الأرض، من بينها أكثر من 2,000 مصنّفة على أنها “خطرة محتملة”.


✦ الكويكبات والحياة على الأرض: علاقة معقّدة

قد تكون الكويكبات مسؤولة عن عدد من الأحداث الكبرى في تاريخ الأرض، بعضها إيجابي وبعضها كارثي. فوفقًا لنظرية مقبولة على نطاق واسع، يُعتقد أن الماء وربما المركّبات العضوية الأساسية قد وصلت إلى الأرض عبر كويكبات غنية بالجليد والكربون في مراحلها الأولى.

من ناحية أخرى، ارتبط اصطدام كويكب عملاق بالأرض قبل 66 مليون سنة بانقراض الديناصورات. هذا الحدث، الذي خلّف فوهة “تشيكسولوب” في المكسيك، غيّر الحياة على الكوكب بشكل جذري. وهو ما دفع المجتمع العلمي إلى تطوير برامج لرصد وتتبع الكويكبات القريبة، مثل برنامج Planetary Defense التابع لناسا.


✦ استكشاف الكويكبات: من المراقبة إلى العينات

شهد العقدان الأخيران تطورًا ملحوظًا في دراسة الكويكبات، حيث لم تكتف وكالات الفضاء برصدها من بعيد، بل أرسلت بعثات لزيارتها بل وحتى جلب عينات منها إلى الأرض.

أبرز المهام:

  • NEAR Shoemaker (ناسا، 2001): أول مركبة تهبط على كويكب (إيروس).
  • Hayabusa2 (اليابان، 2020): جلبت عينات من كويكب “ريوغو”.
  • OSIRIS-REx (ناسا، 2023): عادت بعينات من كويكب “بينو” لدراستها في المختبر.

تسعى هذه المهام إلى فهم التركيب الكيميائي والديناميكي للكويكبات، إضافةً إلى دراسة خصائصها الفيزيائية لتقييم احتمالات استغلالها اقتصاديًا أو الدفاع ضدها.


✦ دروس من صخور طائرة

رغم صغر حجمها مقارنة بالكواكب، إلا أن الكويكبات تحتفظ بأسرار مذهلة حول بداية النظام الشمسي. إنها كأنها كبسولات زمنية طبيعية، لم تمسّها التغيرات الجيولوجية التي طالت الكواكب. وبينما يستعد الإنسان لرحلات مستقبلية أعمق في الفضاء، تبقى الكويكبات نقطة انطلاق مثالية لفهم ماضينا، واستشراف مستقبلنا الكوني.

زر الذهاب إلى الأعلى