تفسير علمي ونفسي لسلوك شائع
في لحظات الحميمية والتواصل العاطفي، يُلاحظ سلوك متكرر لدى البشر في مختلف الثقافات: إغلاق العينين أثناء التقبيل. قد يبدو هذا السلوك بسيطًا وعفويًا، إلا أن وراءه تفسيرات عميقة تعكس تفاعلًا معقدًا بين الجهاز العصبي، والإدراك الحسي، والبُعد العاطفي. فما الذي يدفع الإنسان فعليًا إلى إغلاق عينيه عندما يُقبّل من يحب؟ وهل هو فعل غريزي أم نتيجة لعمليات نفسية وعصبية محددة؟
الإدراك الحسي والتحميل المعرفي
تشير الدراسات الحديثة في علم النفس العصبي إلى أن الدماغ البشري يواجه صعوبة في معالجة المعلومات الحسية المعقدة من قنوات متعددة في الوقت ذاته. وعند التقبيل، تُرسل إشارات لمسية، وشمية، وعاطفية قوية إلى الدماغ. إذا بقيت العينان مفتوحتين، فإن النظام البصري سيستمر في استقبال معلومات بصرية قد تُشوش على التجربة الشعورية.
في دراسة نشرتها مجلة Journal of Experimental Psychology عام 2016، وُجد أن التركيز البصري المكثف يمكن أن يُقلل من إدراك المنبهات اللمسية. وبناءً عليه، فإن إغلاق العينين هو آلية طبيعية من الدماغ لتقليل التحميل الحسي والتركيز على الإحساس الجسدي والعاطفي خلال لحظة التقبيل.
البعد النفسي والعاطفي
من الناحية النفسية، يُمكن أن يُفسَّر إغلاق العينين على أنه وسيلة لتعزيز المشاعر والانغماس الكامل في اللحظة. فعندما تُغلق العينان، ينخفض الوعي بالعالم الخارجي ويُصبح التركيز منصبًا على الرابط العاطفي بين الشخصين.
هذا السلوك أيضًا يُعبّر عن الثقة والأمان؛ إذ أن الإنسان لا يُغلق عينيه إلا إذا شعر بعدم وجود تهديد خارجي، ما يجعل التقبيل فعلًا يعزز الترابط العاطفي والحميمية. وتُشير نظريات التحليل النفسي إلى أن العينين تُعدان من أكثر الأعضاء تعبيرًا، وإغلاقهما هو تعبير لا واعٍ عن الانسحاب من العالم الموضوعي والدخول في تجربة ذات طابع داخلي وجداني.
أبعاد ثقافية وتربوية
رغم أن إغلاق العينين أثناء التقبيل يُعدّ سلوكًا شبه عالمي، إلا أن هناك اختلافات في تفسيره عبر الثقافات. في بعض الثقافات، يُنظر إلى فتح العينين أثناء التقبيل على أنه نقص في الصدق أو في التفاعل العاطفي، بينما ترى ثقافات أخرى أن فتح العينين قد يُعبّر عن مراقبة أو توتر.
علاوة على ذلك، تلعب التربية والأفكار الاجتماعية دورًا في تعزيز هذا السلوك أو كبحه. ففي المجتمعات التي تضع قيودًا على التعبير العاطفي، قد يتطور هذا الفعل كوسيلة لا شعورية للانفصال عن الرقابة الاجتماعية والتركيز على التجربة الشخصية.
وظيفة عصبية مرتبطة بالمنبهات
على الصعيد العصبي، يُمكن النظر إلى إغلاق العينين كوسيلة للحد من التنافس بين القنوات الحسية، وخصوصًا بين النظام البصري واللمسي. القشرة الجبهية التي تُشرف على معالجة المعلومات والانتباه، تسعى دائمًا لتحقيق التوازن. وعند تقبيل شخص ما، يوجَّه هذا الانتباه إلى المنبهات اللمسية والعاطفية، ويُغلق النظام البصري ليُحرر الموارد العصبية للمشاركة الوجدانية.
في ضوء علم النفس التطوري
من منظور علم النفس التطوري، فإن السلوكيات التي تُعزز البقاء أو الترابط الاجتماعي تميل إلى الاستمرار عبر الأجيال. إغلاق العينين أثناء التقبيل قد يكون مرتبطًا بالحد من التهديدات الخارجية والتركيز على العلاقة العاطفية، مما يُعزز الاستقرار الاجتماعي، والشعور بالارتباط، وتكوين الروابط الحميمية اللازمة لتربية النسل.
يتضح أن إغلاق العينين عند التقبيل ليس مجرد رد فعل عشوائي، بل هو نتيجة لتفاعل معقّد بين الإدراك العصبي، والعاطفة، والوعي الحسي، والثقافة. إنّه تعبير لا شعوري عن الرغبة في التركيز، والاحتواء، والانغماس الكامل في لحظة شعورية مفعمة بالعاطفة. ومن خلال فهم هذا السلوك، نُلقي الضوء على طبيعة الإنسان العاطفية والمعرفية المعقّدة، ونتأمل كيف أن أفعالًا بسيطة قد تحمل في طياتها أسرارًا عصبية ونفسية عميقة.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
لماذا يغلق الإنسان عينيه عند التقبيل؟
لأن الدماغ يقلل من الحمل الحسي عبر النظام البصري ليُركز على الإحساس الجسدي والعاطفي، مما يُعزز التجربة الوجدانية.
هل يُعدّ إغلاق العينين سلوكًا لا إراديًا؟
نعم، غالبًا ما يحدث لا شعوريًا نتيجة تفاعل عصبي ونفسي طبيعي أثناء لحظات الحميمية.
هل هناك من يفتح عينيه أثناء التقبيل؟
نعم، وقد يكون ذلك ناتجًا عن التوتر، الفضول، أو غياب الانغماس الشعوري الكامل، لكنه ليس بالضرورة سلوكًا غير طبيعي.
هل لهذا السلوك دلالات ثقافية؟
نعم، تختلف النظرة إلى هذا السلوك باختلاف الثقافة والتربية، حيث يعتبر في بعض المجتمعات دليلاً على الصدق والانغماس العاطفي.